طبيب أسنان لشعراء الـ٣٠٠ مليون

محمد البوعزيزي ملهم الثورة العربية

مصاصوا الدماء هؤلاء يجب أن يجعلوا عبرة لألف عام مقبل.
لعدة سنوات أسقمنا شعراء المليون ببضاعتهم التافهة, لكن في أشهر الثورات العربية الستة الماضية, أشهر ال٣٠٠ مليون يغط شعراؤنا في بيات عميق.

هم غير معنيين بإعادة تسمية أسماء الشوارع والميادين بأسماء الشهداء, مذهولون عن التقاط الملاحم اليومية التي تتقازم قربها ثورات العالم. شاعرنا النائم لا يهجو كافور, لا يشتم الحجاج. لا بدر شاكر السياب يفضح المخبر, ولا مظفر النواب يهزأ بالقتلة. ما أراه هو شاعر منزوع الأظافر, بلثة عجوز فاقد الأسنان.
استيقظت الثعابين من بياتها وهجرت أوكارها, وأنت أيضاً آن لك أن تستيقظ وتهجر وكرك.
حقا إن ثوراتنا سلمية تكره طلقات الرصاص. لكن من أوهم شاعرنا بأن طلقات العروض حرام؟ من سواه يستطيع أن يرجع صدى أبي سلمى في إذن الطاغية: من لا يتقي الشتم... يشتم! من غيره قادر أن ينشر الخوف كالفيروس في الهواء وفي الماء, فإذا به يتغلغل ويدركهم حيثما كانوا: في مراكز قيادتهم, وعلى شراشف أسرتهم؟ بل نحن نريد نابغة ذبياني في القرن الواحد والعشرين يشبب بجسد زوجاتهم. يحق لنا ذلك بعد آلاف الاغتصابات بحق نسائنا, فنحن دوناً عنهم نصون أعراضنا أما هم فقد تلاشت واندثرت مع مروءتهم تحت جثث الأبرياء.
الفرصة تضيع منكم يا أدباؤنا الحييون, ياشعراء المليون. ها قد رحل بن علي ومبارك, وصارا في منطقة محرمة عليكم: لأنه “ما لجرح بميت إيلام”... فليس من بطولة في هجاء المهزومين ... لكن بعدهما بقي الكثير ممن يستحق الهجاء. كما الأموات تستحق من يندبها. نريد أن نغرق سفاحينا لألف عام مقبل في مجاري راكدة تبث الرعب في قلوب أمهات من يفكر أن يستعبد أبناءنا… نريد كلمات يرددها أطفالنا كل صباح في الطريق لمدارسهم تثير القشعريرة في نخاع كل أب يفكر أن يرسل ابنه للعمل مخبراّ, شرطياّ وقائد دبابة تهرس لحم مواطنينا... نريد أدباّ يحيل ألقاب الطغاة التي يتجملون بها إلى خربشات بذيئة تملأ بيوت الراحة العامة.
يحق لشعوبنا التي أهينت طويلاً أن تستقبل منكم المعجزات. يجب أن تزول هيبة هؤلاء المجرمين وتصبح سحنهم كاريكاتورا هزلياّ صارخاّ يبعث بمعجزة توراتية ناجي العلي من قبره ليضحك على من اغتاله. نريد أن نسمع صدى صرخاتهم, هؤلاء السادة القتلة, مع السيدة ماكبث تتردد: أن عطور الجزيرة العربية لا تنظف أيديهم القذرة. نعم! بداخل كل شاعر نبي نائم آن أن يستيقظ ليجترح المعجزات الصغيرة: أن يجعلنا نشم رائحة الجيف في أنفاس الطغاة الكريهة كلما ظهروا على شاشات التلفزيون وهم يعدون بالمن والحوار والسلوى فيما قناصتهم مشغولون بصيد المتظاهرين. نريد من رسامينا أن يفضحوا أعين الطغاة وهي تكذب حتى وهي لا تكذب. وكلمات العزاء لأسر الشهداء تتمثل بسماع شتائم بحق أسر الطغاة تلحق أنسابهم إلى عاشر جد وتصل إلى آبائهم الحقيقيين الذين أنجبوهم سفاحا…لأجل كل هذا على شعرائنا أن يزوروا أطباء الأسنان ليزرعوا أسناناّ من حديد في لثاتهم, ليصبوا في كلماتهم رصاصاً حياً, ليلهموا ٣٠٠ مليون عربي الأمل وإرادة التضحية للاستمرار حتى دفن آخر مخبر وشرطي وقائد دبابة..
ولأجل نبش رفات آخر طاغية.