الاثنين، أكتوبر 10، 2011

خوف من الإسلاميين في السلطة



اندلعت هذا الأسبوع مواجهات دامية بين متظاهرين أقباط وقوات الأمن أدت لموت العشرات. نشأت المظاهرات احتجاجاً على حرق كنيسة في أسوان. في تونس حاول سلفيّون غاضبون حرق محطة تلفزيون خاصة بسبب إذاعتها فيلماً انتقادياً لسيرة الخميني في إيران. وإلى الجنوب منهم, في ليبيا قامت تظاهرات ضد محاولات ترميم معبد يهودي قديم في العاصمة طرابلس.
في مصر يواجه الأقباط حركات إسلامية متعدّدة الدرجات والألوان, من تلك التي تكفّرهم, إلى تلك التي تعلن أنها ستعاملهم لا كمواطنين متساوين مع غيرهم من المصريين بل كذمّيين, إلى فصائل ألطف تحاول طمأنتهم أنها لا تبغي بهم سوءاً حتى وهي تسعى للحكم باسم أيديولوجيا إسلامية. 
لا أحد يشك بأن الإسلاميين سيحصدون نتائج كبيرة في الانتخابات المقبلة. ويعود هذا لحقيقة أنهم تعرّضوا لصنوف من الاضطهاد والتنكيل لم ينلها غيرهم. في سنوات الاستبداد الطويلة كان الإسلاميون بمختلف فصائلهم هم المقاتلين الأشرس من بين كل المعارضين السياسيين, وبدمائهم طبعوا بصماتهم النضالية. لهذا لن تكون هناك مفاجأة من أن يحصد الإسلاميون الأصوات في الانتخابات المقبلة. تلك هي جائزة التصدي للاستبداد. 
لكن النجاح الانتخابي المتوقع للإسلاميين يثير مخاوف من أنّهم  سيختطفون الديمقراطيات الوليدة من شعوبها ويحوّلونها لدكتاتوريات دينية على غرار إيران والسودان وغزة تقصي التيارات السياسية الأخرى وتقلب الحكم إلى غنيمة تحتكر لما لا نهاية يعينهم على تحقيق ذلك فتاوى تشبه ما قام به مشايخ يمنيون في الأسبوع الماضي تنهى عن الاحتجاج وتهدر دم المتظاهرين.
لكن وبالضبط بسبب تجربة إيران وحماس والسودان من المستبعد أن تعطي شعب الأغلبية الساحقة لحزب واحد. ستعكس الانتخابات أطياف المجتمع المتباينة وتأتي بنواب يمثلون التباينات. يستحيل على الإسلاميين أن يكتسحوا الانتخابات على طريقة انتخابات الـ ٩٩٪ التي عوّدنا المستبدّون عليها. ومن غير المعقول, في هذه المرحلة على الأقل, أن ترضى هذه الشعوب التي بالكاد أسقطت طغياناً أن ترمي نفسها تحت آخر. 
الإسلاميون أنفسهم وهم يخوضون هذه الانتخابات يدركون أنهم تحت مجهر دقيق يختبر أهليتهم للإمساك بدفة الحكم من قبل شعوبهم ومن قبل الخارج الذي ترتبط دولهم به بمصالح والتزامات لا يسهل التنصل عنها. الإسلاميون في الحكم, مثلهم مثل كل من يحكم, سيتصرّفون بمقتضيات قد لا تنسجم بالضرورة مع طروحاتهم المعلنة. ومن هذه المقتضيات حقيقة وجود أكثر من ١٠ ملايين قبطي مصري لا يمكن استعداءهم أو الدوس على حقوقهم.
حتى لو افترضنا جدلاً نجاحاً انتخابياً ساحقاً لاتجاهات أصولية علينا أن نسأل: أليس من حق شعوبنا أن تجرّب النظام السياسي الذي يقنعها؟ ثم أليس من حقها بعد ذلك أن تنقلب عليه حين يفشل في تحقيق وعوده؟ وما المخيف في استبداد سياسي على رأسه إسلاميون مقارنة باستبداد مبارك وبن علي والقذافي وصالح والأسد؟ لماذا فجأة صار الإسلاميون خارقون في استبدادهم وتتعذر الثورة عليهم؟ 
ولو هم نجحوا حقاً في تحقيق الغالبية البرلمانية لأنفسهم من الصعب تصديق أنهم سيتمكنون من إقصاء غيرهم. فمثل هذه الحكومات تتطلب فيما تتطلبه مفاوضات لا نهاية لها مع الأقليات البرلمانية كفيلة في النهاية بإحباط الاحتكار والإقصاء. 
ستعالج الديمقراطية أموراً كثيرة. فاللعبة السياسية كفيلة بتهدئة جموح الإسلاميين وسترغمهم على عقد التّسويات وتقديم التنازلات لكسب رضى الأطراف الأخرى. والنتيجة قد لا ترضي أحداً تمام الرضى لكنها ستكون كفيلة بخلق شراكة حقيقية في السلطة. لن يحقق ذلك الفاعلية الحكومية في بناء اقتصاد متقدم أو خدمات عامة مرضية. لكنه على الأقل سيعزز السّلم الأهلي.
ما يعوز الديمقراطيات الوليدة هو ثقافة ديمقراطية. وهذا شيء لن يتوفر عبر آليات تداول السلطة ولا في التسويات النيابية. الثقافة الديمقراطية سوف تستغرق زمناً طويلاً وذاكرة جماعية تحفظ وتحاسب على الوعود الخادعة وتعاقب من لا يفي بعهوده لناخبيه, وسوف تقتضي تدريباً لمواطنينا يكرّس فيهم إرادة الحرية ويحقنهم ضد فيروسات التسلّط مهما كان مصدرها. تنطلق هذه الثقافة من بيت لا يفرض فيه الأب والأم ذوقهما على أطفالهم بل تشجع فيهم تحديد خياراتهم بأنفسهم, ومدارس تعلّم فن طرح الأسئلة أكثر من حفظ الأجوبة, وأماكن عمل لا تعرف الخوف, وما هو أهم بيوت عبادة موظفة حقاً لعبادة الله وليس لاصطناع الضغائن ضد الأديان والمذاهب الأخرى. وهذا ليس شأناَ للساسة, إسلاميين أو غيرهم, ليحتكرونه, بل هو جوهر مواطنة كل فرد, وفي التنصّل عن أدائه لا يوجد نظام محصّن ضد الطغيان. فالتاريخ مليء بالاستبداد المتولّد من صناديق الاقتراع. 
يجدر بالديمقراطيين الجدد في ليبيا أن يكونوا إيجابيين مع الليبيين اليهود الذين يريدون العودة لليبيا وفتح معابدهم للصلاة. فإن كان هناك رعب يراود صهاينة إسرائيل فهو كابوس كهذا يفجّر الحلم العنصري من داخله, لصالح نموذج من التعايش الديني والحضاري الديمقراطي الذي لا يميّز ضد الآخر.
وبالنسبة لتونس, فإن محاولة حرق محطة نسمة من قبل السلفيين جاءت كدعاية انتخابية ضدهم. فالتونسيون لن يغفروا لأحد أن ينصب نفسه فوق القانون, وسيدفع السلفيّون ثمنا باهضاً بعد أسابيع. هكذا الديمقراطية, كما تكافئ من يناضل باسمها هي أيضاّ تعاقب من يدوس على قوانينها. 
ويتوجب على مشايخ السلطان علي صالح أن يستعدوا منذ الآن لعقاب من جنس العمل بسبب فتواهم سيئة الصيت. فالديمقراطية اليمنية المقبلة لن تتسامح مع من أطلق أحكام تهدر دماء أبنائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العارض المكسيكي في الخليج العربي

”المكسيك بائسة, فهي بعيدة عن الله وقريبة من الولايات المتحدة“. هكذا لخص رئيس المكسيك بورفيريو دياز موري (١٨٣٠-١٩١٥) علاق...